مساحة للنقاش في البحث عن مقولات خاصة بنا-يونس إمغران (المغرب)
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

مساحة للنقاش
في البحث
عن مقولات خاصة بنا

  يونس إمغران    

كنت قد أجريت منذ سنوات قليلة خلت، حوارا صحفيا قصيرا مع المفكر المصري الموسوعي عبد الوهاب المسيري رحمه الله، و كانت الفكرة الجوهرية التي بني عليها الحوار، و عبر عنها المسيري بكثير من الاهتمام و التأكيد، هي أننا - كعرب و مسلمين - مطالبون بالعمل في مختلف المجالات و الحقول المعرفية و التطبيقية انطلاقا من " مقولات خاصة بنا ".
و نعتقد أن ما كان يعنيه المسيري رحمه الله، هو أن نجتهد في تأسيس مفاهيم و رؤى و نظريات سياسية و اقتصادية و ثقافية و اجتماعية، انطلاقا من قيمنا و تراثنا و تاريخنا و جغرافيتنا.. لأننا نملك القدرة على الابداع و الابتكار بصورة كاملة، باعتمادنا – أولا و بشكل كبير - على ذاتنا الحضارية، و بالانفتاح – على قدر الإمكان و المصلحة و الحاجة و الضرورة - على ما أعطاه الآخرون للإنسانية في بعض الميادين.
لقد اعتدنا و منذ عقود طوال من الزمن، على اجترار و تكرار و استهلاك ما أنتجه الآخر.. و ما أبدعه الآخر.. و ما اخترعه الآخر.. دون أن يعترينا إحساس بالخجل، و دون أن نشعر بوخز الضمير أو انتفاضته.. بل مازلنا نتلقف كل جديد يفاجئنا به الآخر، سواء كان شيئا ماديا، أو نظاما سياسيا، أو نظرية فكرية.. نتلقف ذلك بكثير من الاندهاش و الإعجاب و الرضا.. دون أدنى استعمال لآليات التفكير و التأمل و النقد، ربما اعتقادا منا على أن الآخر لا يخطئ، و لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يعقد نيته للإضرار بالإنسانية..
أبدع الآخر – و من خلال تجربة عميقة في الحياة السياسية و الاجتماعية – جملة من المفاهيم و المناهج الحضارية: كالحداثة و الحكامة و العولمة و غيرها، بينما نحن نسارع الخطى، و نختصر المسافات و الزمن، من أجل توظيف هذه المفاهيم و الأنظمة، في حياتنا السياسية و الاجتماعية بكل سهولة و بدون تمحيص أو غربلة، رغم الفروقات الهائلة بيننا و بين الآخر المبدع..
إن الآخر لم يبدع مفهوم الحداثة بجرة قلم، و لم يبن نظامه السياسي على الأسس الديموقراطية و أصولها الفلسفية بين عشية و ضحاها، و لم يعولم علاقاته البلوماسية و الدولية، و تدخلاته العسكرية، بقرار مفاجئ و غير مخطط له.. و إنما قضى الليالي و السنين، و أنفق الأموال و النفوس، و بذل الغالي و النفيس، و فجر الجبال و الأنفاق، و خاض البحر و السماء، و أهلك الحرث و النسل، لينتهي إلى ما انتهى إليه، من اختراع و ابتكار لأنظمة و مناهج و نظريات في شتى مجالات الحياة.. لكننا – و بحكم ذكائنا المتوهم – لم نعر أي اهتمام بطبيعة الجهد المنفق من طرف الآخر في سبيل الوصول إلى ما وصل إليه، و سارعنا إلى تنزيل مناهجه و أنظمته – هكذا ببساطة و استسهال - على واقعنا الموسوم بالتخلف و الجهل و الأمية و الفقر و المرض و الاستبداد و القهر و الظلم، و غير ذلك من صور الجاهلية المعاصرة.
و إنه لمن المضحك المبكي، أن نتحدث اليوم عن مجتمعاتنا وفق الرؤية الحداثية، و نقول على ضوء ذلك، أن الحداثة باتت عنوانا عريضا لحياتنا السياسية و الاجتماعية.. رغم أن الحداثة منظومة حياة شاملة، تعفرت بتربة ذات خصوصية فريدة، و تمخضت عن عوامل تاريخية مركبة، و بيئة علمية متطورة، و عقلية متحفزة تختلف في منطلقاتها و غاياتها عن ما نؤمن به و نسعى إليه..
و مما لا شك فيه، فإن مجتمعاتنا ماتزال تعيش أنماطا متعددة من مراحل التطور، إذ أنها مجتمعات بدائية و زراعية و صناعية و تكنولوجية في آن واحد.. و لم تتمكن لحد الساعة أن تقطع مع مرحلة من هذه المراحل بشكل نهائي، عكس مجتمعات الآخر التي انتقلت - و منذ عقود زمنية خلت - إلى مرحلة الاعلام و الاتصال و الفضاء..
 لكن هذا الأمر لا يمنع من أن نوقع على وثيقة الخلاص، باستحضار الفكرة التي دعانا إليها المسيري رحمه الله، و هي العمل انطلاقا من " مقولات خاصة بنا "، و من حصيلة عرقنا وجهدنا و كدنا و اجتهادنا.. خاصة و أن إبداعات أجدادنا في الفكر و الأدب و السياسة و العلوم التجريبية، شكلت في حينها - و ماتزال - وقود حضارة متألقة و متخلقة.. بل ما أكثر المفاهيم و المصطلحات التي أنتجوها و انشغلوا و شغلوا العالم بها قرنا بعد قرن، كالشورى و الحسبة و المصلحة و العدل و العفو و غيرها.. فماذا نحن فاعلون ؟



 
  يونس إمغران (المغرب) (2009-11-02)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

مساحة للنقاش
في البحث
عن مقولات خاصة بنا-يونس إمغران (المغرب)

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia